'السلام المستدام لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة الشعوب'

أكدت عضوة مجلس منصة إيران الديمقراطية بسي شاماري، على ضرورة أن يكون صوت الشعوب هو المحرك الأساسي لأي عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الصراعات وتحقيق الاستقرار الحقيقي في الشرق الأوسط.

شهلا محمدي 

مركز الأخبار ـ في ظل تفاقم الأزمات السياسية والإنسانية في الشرق الأوسط، تتباين جهود السلام بين تطلعات الشعوب نحو الحرية والاستقرار، وبين تدخلات القوى الإمبريالية التي تعيد تشكيل المشهد وفق مصالحها، والذي يثير تساؤلات حول آفاق الديمقراطية وإمكانية تحقيق استقرار دائم في المنطقة.

بالرغم من استمرار النزاعات في الشرق الأوسط، تُطرح في الوقت ذاته مبادرات متعددة للسلام من قبل جهات مختلفة، إلا أن هذه المبادرات تتباين جذرياً في جوهرها، فبعضها ينبع من إرادة الشعوب وسعيها نحو مستقبل أفضل، بينما تتشكل أخرى على يد أطراف مرتبطة بالقوى الإمبريالية، التي تسعى إلى تحويل المنطقة إلى مستعمرة تخضع لنفوذها، وهي محاولات حققت نجاحاً جزئياً حتى الآن، وكل هذا يطرح التساؤل هل يمكن لتلك الجهات والدول أن تحقق سلاماً دائماً في المنطقة دون إشراك فعلي للشعوب في اتخاذ القرار ورسم ملامح مستقبلها السياسي؟ وللإجابة على هذا السؤال أجرت وكالتنا الحوار التالي مع عضوة مجلس منصة إيران الديمقراطية بسي شاماري.

 

ما الفرق بين مسارات السلام التي تنطلق من إرادة الشعوب وتلك التي تُفرض من الخارج؟ وكيف ينعكس هذا الاختلاف على فرص تحقيق السلام الدائم في المنطقة؟ برأيك ما الفرق الجوهري بين هذين النهجين؟

في هذا اليوم نستذكر مرور عامين على الإطاحة برئيس الوزراء الشرعي المنتخب من قبل الشعب الإيراني محمد مصدق، عبر انقلاب خُطط له من قبل الولايات المتحدة وبمساندة أطراف داخلية، وقد شكّل هذا الحدث ضربة موجعة للحراك الشعبي ولطموحات الديمقراطية والذي لا يزال حاضراً في وجدان الشعب الإيراني، وتؤكد هذه الذكرى على ضرورة احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها بشكل مستقل وصون مواردها الوطنية بعيداً عن التدخلات الخارجية، خاصةً في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة اليوم.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن تدخل القوى الإمبريالية ودعمها للأنظمة التابعة قد أعاق مسار الديمقراطية الحقيقية، وساهم في تفاقم التفاوت الاقتصادي، وهي تجربة تركت آثاراً عميقة في المجتمع الإيراني امتدت حتى الثورة في عام 1979 وما بعدها، كما أظهرت الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوم كيف يتجاهل التدخل الأجنبي حقوق الشعوب ويحد من الطريق أمام اتخاذ القرار المستقل، إلا أن مقاومة الشعب أظهرت أنه من الممكن الحفاظ على الحرية.

وفي عام 1979 شكّل قرار الخميني "الجهاد ضد شعب كردستان" نقطة تحول في السياسات القمعية، قرار لم يستجب للمطالب المشروعة للشعب الكردي ولم يضمن العدالة الاجتماعية، بل اعتُبر إعلان حرب على الشعوب الثورية والقوى اليسارية، ولا تزال آثار هذه السياسات واضحة في الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، وبعد ذلك عقدت اجتماعات لوقف إطلاق النار والتفاوض عدة مرات، لكن جميعها باءت بالفشل لأن النظام كان لا يزال بحاجة إلى ضبط نفسه، واليوم نرى أمثلة مشابهة على المستوى الدولي، مثل لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا والمؤامرة على أوكرانيا، كما هو الحال مع التدخلات في الأزمة السورية.

إن التجربة التاريخية لاتفاقية سايكس بيكو هي أيضاً تذكير بفرض القرارات الخارجية على مصير الأمم، وهي الاتفاقية التي نظمت دور المنطقة استناداً فقط إلى مصالح فرنسا وبريطانيا، ولاحقاً إلى نفوذ روسيا، ولا تزال عواقبها واضحة حتى يومنا هذا.

واليوم باتت بصمة أوروبا على ساحة صنع القرار الدولي أقل وضوحاً، فبعد يومين فقط من لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا، ناقش ممثلو حلف شمال الأطلسي (الناتو) مستقبل أوكرانيا في البيت الأبيض، في مؤشر على استبعاد أوروبا من القرارات الرئيسية وهو واقع ستستمر آثاره لأجيال، لأنه على مر السنين كان الشرق الأوسط هدفاً لرسم خرائط من قبل قوى أجنبية، مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا، لتحديد حدود الدول وأدوارها، وتتجلى آثار هذه التدخلات بوضوح وبشكل ضار اليوم، حيث تشهد الأجيال الإبادة الجماعية المادية والثقافية وانتهاكات لحقوق الشعوب.

وأصبحت موارد الطاقة والمناطق الاستراتيجية ساحات معارك وأدوات ربح للرأسمالية الجديدة، التي تستمر الآن في نهجها النيوليبرالي ويبرز منافس من شرق آسيا، وقد واجهت مسارات الطاقة المهمة لهذا المنافس عقباتٍ متتالية، ولم يتبقَّ سوى مسارين رئيسيين هما استمرار مشروع "الحزام والطريق" والسيطرة على مضيق تايوان، وفي هذا الوضع فإن الدول التي تتدخل أو تنتظر أو تعمل بذكاء لها دور في مصير المنطقة.

 

في ظل تصاعد الأزمات الإنسانية في غزة، إلى الصراعات في أوكرانيا، ألا ترين أن العالم يتجاهل آلام الشعوب التي لا تملك صوتاً في الساحة الدولية؟ وهل يمكن أن يشكّل السلام بديلاً واقعياً في ظل التدخلات الدولية السياسية في الشرق الأوسط ؟

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعادت الإبادة الجماعية في غزة إلى الأذهان المآسي التي عاشها الشعب الأرمني، لتُشكّل صدمة جديدة في القرن الحادي والعشرين خاصة لمن درس تاريخ المنطقة والحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك التاريخ يشهد العالم لا سيما أنصار الحرية فصولاً من الإبادة تُرتكب بحق المدنيين في غزة، وإذا استمر تجاهل الجرائم المرتكبة في أوكرانيا أيضاً، فإن تداعيات ذلك ستتغلغل في عمق الصراعات الإقليمية والدولية.

فلسطين التي تُضاهي الأمة الكردية من حيث الثقل التاريخي والسياسي، لا تزال ترزح تحت وطأة العنف والاضطهاد، وجراحها لم تندمل بعد، أما الوضع الإنساني في غزة فقد بلغ مستويات غير مسبوقة من التدهور، وكل ذلك يحدث أمام أنظار العالم، دون أن يُحرّك المجتمع الدولي ساكناً.

وفي شباط/فبراير الماضي، وجه السيد عبد الله أوجلان نداءً يدعو فيه إلى السلام والمجتمع الديمقراطي، ودعا فيه إلى حلّ الهيكلية التنظيمية لحزب العمال الكردستاني، وربط نشاطه بتحولات قانونية داخل تركيا، في خطوة تهدف إلى التمهيد لقيام جمهورية ديمقراطية خلال العقود المقبلة، هذا القرار استند إلى أفكار السيد عبد الله أوجلان التي طرحها قبل أكثر من عشرين عاماً، والتي بدأت تظهر آثارها بوضوح على المستويين المحلي والدولي.

ومن أبرز نتائج هذا التحول تشكيل لجنة تضم 48 ممثلاً، وهي خطوة تُعدّ محورية في مسار الديمقراطية والاستقلال، وتعكس توجّهاً نحو ترسيخ السلام والأخوة بين الشعوب، ويحمل هذا التحول في طياته إمكانية إحداث تغيير عميق في العقلية السياسية والاجتماعية السائدة، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحوار والتفاهم.

لذلك فإن دعوة السيد عبد الله أوجلان للسلام والمجتمع الديمقراطي لم تؤثر على أمتنا فحسب، بل أثرت أيضاً على الشعوب المحبة للحرية في جميع أنحاء العالم، لأنهم على دراية بالطبيعة الحقيقية والجوهرية للأنظمة السياسية، وفي هذا الوقت الحرج يمكننا القول أن التطورات العالمية من القمم الأمريكية إلى الحرب في أوكرانيا وأزمة غزة وصلت إلى ذروتها، لآن الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا المسار اللاإنساني هي دعم السلام الإنساني، السلام الذي يمكن للبشر أن يعيشوا فيه ويبنوا مستقبلهم.

 

دخلت إيران مرحلة حرجة وأظهرت هجمات إسرائيل نيتها تغيير سياسة البلاد، وبالنظر إلى هشاشة الجمهورية الإسلامية وإهمالها للممرات السكانية، ما هو المستقبل السياسي لإيران وهل ستصمد السلطات أم ستزداد القيود؟

منذ عام 2019 وبعد اغتيال قاسم سليماني وتصاعد ثورات الحراك الشعبي أصبحت قضية تغيير السلطة والإصلاحات العاجلة محوراً رئيسياً في أجندة النظام الإيراني، حتى الملفات الحساسة مثل الدستور والدعم الاقتصادي باتت تُناقش علناً، في محاولة للكشف عن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية مع الإبقاء على الشعب تحت السيطرة.

الاتفاق النووي والفروع العسكرية السابقة التي كانت في السابق أدوات نفوذ، أصبحت الآن طغياناً مطلقاً، حتى الأمهات اللواتي كنّ تمتلكن موارد أساسية أصبحن الآن محرومات، تمارس السلطات سيطرة اجتماعية واقتصادية منذ سنوات لمنع نمو الحركات الشعبية وخروج الناس إلى الشوارع، لكن السخط والحركات لا تزال نشطة وموضع تساؤل.

في زمن الحرب كان الناس يسعون دائماً إلى الأمن والاستقرار، لكن الواقع اليوم يكشف عن ممارسة المسؤولين المحليين للسلطة عبر الضغط المباشر على الأراضي، ما أدى إلى خلق أوضاع كارثية في العديد من المناطق وتعيش السلطات الآن في حالة من القلق المتزايد تجاه الحركات الشعبية، إذ يُحتمل أن تفقد السيطرة على بعض المناطق خلال السنوات الخمس المقبلة.

في هذا السياق يُعدّ توزيع القوى في الشرق الأوسط، إلى جانب التدخلات الخارجية من روسيا وغيرها من الأطراف الدولية عاملاً حاسماً في رسم مستقبل إيران والمنطقة بأكملها، وتعمل هذه القوى على تقليص دور الشعوب في العملية السياسية، والحد من مشاركتها الفعلية في صنع القرار، ومع ذلك يبقى دور الشعب جوهرياً لآن ارتفاع مستوى الوعي الشعبي وتعزيز قوته يمكن أن يشكل حاجزاً أمام تركيز السلطة بشكل مفرط، ويحول دون تحقيق الأهداف اللاإنسانية والاقتصادية التي تسعى إليها بعض الحكومات.